حكي عن هارون الرشيد أنه أرق ذات ليلة أرقا شديدا فقال لوزيره جعفر بن يحيى البرمكي إني أرقت هذه الليلة وضاق صدري ولم أعرف ما أصنع وكان خادمه "مسرور" واقفا أمامه فضحك ، فقال له ما يضحكك استهزاء بي أم استخفافا ؟.
فقال ما فعلت ذلك عمدا ولكن خرجت بالأمس أتمشى بظاهر القصر إلى أن جئت إلى جانب الدجلة فوجدت الناس مجتمعين فوقفت فرأيت رجلا واقفا يضحك الناس يقال له ابن المغازلي فتفكرت الآن في شيء من حديثه وكلامه فضحكت والعفو يا أمير المؤمنين ، فقال له الرشيد ائتني الساعة به فخرج "مسرور" مسرعا إلى أن جاء إلى ابن المغازلي فقال له أجب أمير المؤمنين فقال سمعا وطاعة فقال له بشرط أنه إذا أنعم عليك بشيء يكون لك منه الربع والبقية لي فقال له بل اجعل لي النصف ولك النصف فأبى فقال الثلث لي ولك الثلثان فأجابه إلى ذلك بعد جهد عظيم ، فلما دخل على الرشيد سلم فأبلغ وترجم فأحسن ووقف بين يديه فقال له أمير المؤمنين إن أنت أضحكتني أعطيتك خمسمائة دينار وإن لم تضحكني أضربك بهذا الجراب ثلاث ضربات فقال ابن المغازلي في نفسه وما عسى أن تكون ثلاث ضربات بهذا الجراب وظن في نفسه أن الجراب فارغ فوقف يتكلم ويتمسخر وفعل أفعالا عجيبة تضحك الجلمود فلم يضحك الرشيد ولم يتبسم فتعجب ابن المغازلي وضجر وخاف فقال له الرشيد الآن استحقيت الضرب ثم أنه أخذ الجراب ولفه وكان فيه أربع زلطات كل واحدة وزنها رطلان فضربه ضربة فلما وقعت الضربة في رقبته صرخ صرخة عظيمة وافتكر الشرط الذي شرطه عليه "مسرورا" فقال العفو يا أمير المؤمنين اسمع مني كلمتين قال قل ما بدا لك قال إن "مسرورا" شرط علي شرطا واتفقت أنا وإياه على مصلحة وهو أن ما حصل لي من الصدقات يكون له فيه الثلثان ولي فيه الثلث وما أجابني إلى ذلك إلا بعد جهد عظيم وقد شرط علي أمير المؤمنين ثلاث ضربات فنصيبي منها واحدة ونصيبه اثنتان وقد أخذت نصيبي وبقي نصيبه قال فضحك الرشيد ودعا "مسرورا" فضربه فصاح وقال يا أمير المؤمنين قد وهبت له ما بقي فضحك الرشيد وأمر لهما بألف دينار فأخذ كل واحد منهما خمسمائة دينار ورجع ابن المغازلي شاكرا والله سبحانه وتعالى أعلم .